كنت هناك فتاة تدعه لورا تقيم فى بلدة ثما قررت الانتقال الي المدينة ولكن لم تكن تتوقع أن انتقالها إلى تلك المدينة سيغيّر حياتها إلى الأبد. كانت مدينة هادئة من الخارج، لكنها تحمل في أعماقها أسرارًا لا يعرفها أحد. منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماها الأرض هناك، شعرت بشيء غريب، كأن المكان يراقبها بصمت. الشوارع كانت ضيقة ومتشابهة، والمباني القديمة تتلاصق كأنها تخشى الانفصال. الهواء كان محمّلًا برائحة العطن والرطوبة، كأن المدينة لم تفتح نوافذها منذ قرن.
انتقلت لورا إلى المدينة باحثة عن بداية جديدة بعد تجربة عمل فاشلة في العاصمة. وبينما كانت تتصفح إحدى الجرائد المحلية، وقع بصرها على إعلان صغير في زاوية الصفحة الأخيرة لمطعم يُدعى "ذا أولد تشيف"، يطلب موظفين جدد. لم يكن الإعلان ملفتًا لولا أن المطعم يقع في مبنى أثري قديم، كان معروفًا بديكوره الغريب المستوحى من العصور الفيكتورية.
في اليوم التالي، ارتدت لورا ملابس بسيطة وتوجهت إلى المطعم. كان المبنى يقع عند أطراف المدينة، محاطًا بأشجار كثيفة وكأنها تحرسه من المتطفلين. الباب الخشبي الكبير كان يئن حين فتحته، وصوت الأجراس القديمة عند المدخل منحها شعورًا غريبًا بالرهبة.
استقبلها رجل في منتصف الأربعين من عمره، له نظرة حادة وصوت منخفض. قدّم نفسه على أنه "السيد مورغان"، مدير المطعم. رحب بها بابتسامة باردة ودعاها إلى الجلوس. بعد مقابلة قصيرة مليئة بالأسئلة الغريبة عن ساعات نومها، وما إذا كانت تخاف من العمل ليلًا، أعلن قبولها فورًا.
منذ الليلة الأولى، شعرت لورا أن هناك شيئًا غير طبيعي في المكان. الأصوات الخافتة التي تأتي من الطابق السفلي، الأضواء التي تومض فجأة ثم تعود إلى طبيعتها، والبرد الغريب الذي يسري في الممرات حتى في أكثر الليالي حرارة. لكن ما جعلها تبقى هو زميلها الجديد "جيمس"، الذي التحق بالمطعم في نفس الفترة.
كان جيمس شخصًا مرحًا، لكنه يحمل في عينيه شيئًا من الغموض. لم يتحدث كثيرًا عن ماضيه، وكان يهوى الأماكن القديمة والأساطير. في فترات الراحة، كان يجلس مع لورا في زاوية المطعم المظلمة ويتحدث عن قصص الأشباح والتعاويذ القديمة التي قرأ عنها في كتب نادرة. كانت لورا تستمع إليه بفضول وخوف في آن واحد.
في إحدى الليالي، وبعد انتهاء الدوام، قال لها جيمس:
"هل تعلمين أن خلف هذا المطعم توجد أطلال منزل قديم يُقال إنه كان لمستحضر أرواح؟ المكان مغلق منذ عقود، لكن البعض يسمع منه أصوات غريبة في الليل."
ضحكت لورا وقالت بسخرية:
"أتقصد أنك تريد أن نذهب إلى هناك؟ أنت تعلم أنني لا أحب المزاح في الأمور الغامضة."
ابتسم جيمس وقال بنبرة مفعمة بالإثارة:
"ليس مزاحًا، لورا. دعينا نرى بأنفسنا. ربما نجد شيئًا مثيرًا، أو على الأقل مغامرة نحكيها لاحقًا."
في البداية رفضت، لكن الفضول تغلب عليها. في منتصف الليل، بعد أن خيّم الصمت على المدينة، تسللا إلى الجهة الخلفية من المطعم، عبر ممر ضيق يؤدي إلى منطقة مهجورة. الأشجار كانت تحيط بالمكان من كل جانب، والأرض مغطاة بطبقة كثيفة من الأوراق الجافة. بعد دقائق من السير، ظهرت أمامهما أطلال المنزل القديم.
كان البناء مائلًا، والسقف قد انهار في بعض الأجزاء، والباب الحديدي الصدئ ما زال صامدًا بصعوبة. على الجدار الخارجي كانت توجد رموز محفورة، بعضها بدا كأنه كتابة قديمة. عندما اقترب جيمس منها، قال:
"هذه ليست مجرد زخارف، إنها رموز تعويذات... ربما لمنع دخول الأرواح."
شعرت لورا بقشعريرة تسري في جسدها، لكنها تبعته إلى الداخل. كان المكان يعبق برائحة الغبار والعفن، والأرضية تصدر صريرًا مع كل خطوة. بينما كانا يتفحصان المكان، اكتشفا بابًا صغيرًا خلف خزانة متهالكة.
قال جيمس بصوت منخفض:
"غريب، لم يُذكر هذا الباب في أي من الخرائط القديمة التي رأيتها."
دفع الباب ببطء، فصدر صوت أنين طويل. خلفه كانت هناك درج حجري يؤدي إلى الأسفل، حيث الظلام المطلق. أشعل جيمس مصباح هاتفه، وقال مبتسمًا:
"هيا، دعينا نرى ما يخبئه القبو."
ترددت لورا للحظة، لكن شيئًا ما دفعها للنزول خلفه. كل خطوة إلى الأسفل كانت تثقل أنفاسها أكثر. الجدران كانت رطبة ومغطاة بطبقة خضراء لزجة، والهواء كان مشبعًا برائحة غريبة تشبه احتراق الخشب القديم.
في نهاية الدرج، وصلا إلى باب فولاذي سميك، مغلق بقفل صدئ. حاول جيمس فتحه بقطعة معدنية، وبعد جهد طويل، انفتح الباب بصرير حاد. خلف الباب، كانت هناك غرفة كبيرة تملؤها الخزائن القديمة والصناديق المغلقة. على الجدار المقابل كانت توجد مرآة ضخمة مغطاة بالغبار، وبجانبها طاولة عليها كتاب كبير مغطى بجلد داكن.
اقتربا ببطء. رفعت لورا الغطاء عن الكتاب، لتجد رموزًا غريبة وحروفًا لا تشبه أي لغة عرفتها من قبل. قال جيمس وهو يقلب الصفحات بحذر:
"هذا... هذا كتاب تعاويذ، يبدو حقيقيًا! انظري هنا... هذه الصفحة تتحدث عن استحضار الأرواح العالقة بين العالمين."
نظرت لورا إليه بخوف وقالت:
"لا تعبث بهذا، جيمس، قد يكون خطرًا."
لكنه لم يُعرها اهتمامًا، بل بدأ يقرأ بعض الكلمات بصوت خافت، كأنه منوم. فجأة، اهتزت الأرض من تحتهما، وبدأت الأضواء تومض، وصوت غريب كالعويل صدر من الجدران.
صرخت لورا:
"توقف! أوقف القراءة!"
لكنه لم يتمكن، وكأن قوة خفية جعلته يكمل التعويذة حتى النهاية. في تلك اللحظة، انطفأت المصابيح وساد الظلام، ثم ظهر ضوء أحمر خافت من المرآة المقابلة. ظهرت أشكال ضبابية تتحرك ببطء داخلها، وجوه شاحبة بلا ملامح، كأنها تبحث عن مخرج من العالم الآخر.
ارتعبت لورا ودفعت جيمس نحو الباب، لكنهما وجدا أن الممر أغلق خلفهما. ارتفعت الأصوات من حولهما، أصوات همسات بلغات لا تُفهم، وصوت امرأة يهمس باسم جيمس مرارًا. حين التفت، رأى انعكاس وجهه في المرآة لكن بملامح مشوهة، كأن شخصًا آخر يسكن جسده.
أمسكت لورا بيده وصرخت:
"اهرب!"
ركضا نحو الباب الحديدي، وبدأ جيمس يضربه بكل قوته حتى انفتح أخيرًا. صعدا الدرج بسرعة، والظلال السوداء تلاحقهما من الخلف. عندما وصلا إلى الخارج، سقطا على الأرض منهكين والعرق يغمر وجهيهما.
لم يتحدثا طوال الطريق إلى المنزل، وكل منهما غارق في أفكاره. عند وصولهما، جلست لورا تحدق في الفراغ، وقالت بصوت مرتجف:
"ما كان ذلك؟ ماذا فعلت يا جيمس؟"
أجابها بصوت خافت:
"أنا لا أعلم... لكن تلك الأرواح لم تكن مجرد خيال، لقد استدعيناها حقًا."
مرت الأيام التالية ببطء ثقيل. بدأت لورا ترى أشياء غريبة في منزلها. المرايا تتحرك من تلقاء نفسها، أصوات خطوات في منتصف الليل، ويد خفية تلمس كتفها حين تكون وحدها. في أحد الليالي، استيقظت لتجد باب غرفتها مفتوحًا، وعلى الأرض كتاب التعويذ الذي ظنت أنها تركته في القبو.
صرخت بصوت مرتفع، لكن لم يجبها أحد. ركضت إلى هاتفها لتتصل بجيمس، إلا أنه لم يجب. في اليوم التالي، ذهبت إلى المطعم لتبحث عنه، فأخبرها المدير أنه لم يحضر إلى العمل منذ يومين.
شعرت لورا بالذعر، وقررت الذهاب إلى منزله. طرقت الباب مرارًا دون رد، لكن حين دفعته بخفة، انفتح. دخلت لتجد الغرفة في فوضى، والرموز الغريبة منقوشة على الجدران. وعلى الطاولة وُضعت صورة لها محترقة الأطراف.
وقفت مذهولة، ثم سمعت صوتًا خلفها. التفتت لترى ظلًا يتحرك بسرعة في الممر. قلبها كاد يتوقف من الخوف، لكن الشجاعة دفعتها لتتبع الظل حتى وصلت إلى غرفة النوم. هناك وجدت جيمس جالسًا على الأرض، وجهه شاحب، وعيناه غائرتان.
قال بصوت متعب:
"لورا... لم يرحلوا. الأرواح التي استدعيناها... علقت بيننا وبين عالمهم، ولن يهدأوا حتى نعيدهم."
اقتربت منه بخطوات مترددة وسألته:
"وكيف نعيدهم؟"
رفع الكتاب القديم المرتجف بين يديه وقال:
"يجب أن نعود إلى المكان... إلى أرض المقابر... ونكمل الطقس، لكن هذه المرة بالعكس."
نظرت إليه بخوف ممزوج بالأمل، وقالت بصوت خافت:
"إذن سنفعلها، الليلة."
يتبع في الجزء الثاني: أرض المقابر والتعاويذ – الطقوس الأخيرة
حيث يواجه جيمس ولورا الأرواح وجهًا لوجه، ويكتشفان السر الحقيقي وراء المنزل القديم، والتعويذة التي غيّرت مصيرهما إلى الأبد...
تفضلوا بزيارتنا بانتظام للاستمتاع بقراءة القصص الجديدة والمثيرة، ولا تترددوا في مشاركة تعليقاتكم وآرائكم معنا.