قصة الطائر تيمي وأجنحته القصيرة

SAMY ELSAGHlR
0

في صباحٍ هادئٍ من أيام الربيع، عندما كانت أشعة الشمس تتسلل بخجلٍ من بين أغصان الأشجار، وتغرد العصافير بأنغامٍ تملأ الجو حياةً وبهجة، وُلد طائر صغير في عشٍ صغير على إحدى الأشجار العالية. كان هذا الطائر يُدعى "تيمي".

قصة الطائر تيمي وأجنحته القصيرة
منذ لحظة خروجه إلى الحياة، بدا مختلفًا عن باقي إخواته، فبينما كانت أفراخ الطيور الأخرى ترفرف بأجنحتها الصغيرة محاولة تعلم الطيران، كان تيمي يقفز بخفة ولكنه سرعان ما يسقط، إذ كانت أجنحته أقصر من المعتاد، وكأن القدر أراد أن يمنحه تحديًا خاصًا منذ ولادته.

كانت أم تيمي تنظر إليه بحنان وقلق في آنٍ واحد، وتقول له دائمًا بصوتٍ دافئ:
"لا تقلق يا صغيري، كل طائر له طريقه الخاص ليصل إلى السماء، ربما تكون طريقتك مختلفة، لكنها ستوصلك يومًا ما."

مرت الأيام، وكبر تيمي قليلًا، لكنه ظل عاجزًا عن الطيران مثل باقي الطيور في غابته. كان يجلس على غصن قريب من عشه، يراقب أصدقاءه وهم يحلقون في الهواء بحرية، يتسابقون بين الغيوم، ويغنون فرحًا وهم يلامسون نسمات السماء. أما هو، فكان يشعر بوخز في قلبه كلما رأى تلك المناظر. كان الحلم يسكن أعماقه، لكنه كان يصطدم بواقعٍ مؤلم: أجنحته القصيرة لا تساعده على التحليق.

في أحد الأيام، جلس تيمي بمفرده على صخرة صغيرة قرب بحيرة صافية تعكس السماء وكأنها مرآة. راح ينظر إلى صورته في الماء، يتأمل أجنحته، ثم قال بحزن:
"هل سأبقى دائمًا هنا؟ هل خُلقت لأعيش على الأرض بينما الجميع يعيشون في السماء؟"

لم يكن هناك من يسمعه، إلا أن الرياح التي مرت من حوله بدت وكأنها تهمس في أذنه:
"من لم يُمنح القوة، يمكنه أن يصنعها..."

كانت تلك الجملة الغامضة كأنها أشعلت شيئًا في داخله. رفع رأسه فجأة وقرر ألا يستسلم. قال لنفسه بحزم:
"لن أعيش حياتي في الحزن، سأجد طريقة لأطير، حتى لو كانت مختلفة!"

بدأ تيمي رحلته نحو تحقيق حلمه. في اليوم التالي، ذهب إلى الغابة المجاورة حيث تعيش مجموعة من الطيور الكبيرة الحكيمة، كانت تلك الطيور تعرف بخبرتها الطويلة، فبعضها عاش مئات المواسم، وشهد تغيرات كثيرة في الطبيعة.
اقترب تيمي منهم بخجل وقال:
"أيها الحكماء، أنا طائر صغير أريد أن أتعلم الطيران، لكن أجنحتي قصيرة جدًا، فهل يمكنني أن أتعلم الطيران رغم ذلك؟"

نظر أحد النسور العجوز إليه بعينين مليئتين بالحنان وقال:
"يا صغيري، الطيران لا يبدأ من الأجنحة، بل من الإيمان. إن كنت تؤمن بأنك تستطيع، فسوف تجد الطريق."

وأضاف عصفور آخر كان يقف على غصنٍ قريب:
"ربما يمكنك أن تبدأ بشيء بسيط، كأن تستخدم وسيلة تساعدك على الشعور بالطيران قبل أن تطير بنفسك."

هز تيمي رأسه متحمسًا وقال:
"لكن كيف أفعل ذلك؟"

فقالت بومة حكيمة كانت تراقب الحوار:
"هناك شيء يسمى الطائرة الورقية، يستخدمه الأطفال في القرية المجاورة. يمكنك أن تتعلم منها كيف يتحرك الهواء، وكيف تبقى الأشياء في السماء. ربما تكون تلك هي البداية."

اندهش تيمي من الفكرة، وقرر أن يجربها.

في اليوم التالي، انطلق إلى القرية القريبة وهو يقفز بين الأشجار حتى وصل إلى ساحةٍ كبيرة كان فيها بعض الأطفال يركضون وهم يطيرون طائراتهم الورقية. وقف تيمي على أحد الأسوار الخشبية يراقبهم بانبهار. كانت الطائرات الورقية تلوح في السماء بألوانٍ زاهية، تتحرك يمينًا ويسارًا مع الرياح، وكان الأطفال يضحكون بسعادة.
شعر تيمي بشيءٍ يشبه الأمل يتدفق في عروقه، وقال في نفسه:
"هكذا يبدو الحلم... أن تكون في السماء!"

بعد أن غادر الأطفال، اقترب من أحد الطائرات الورقية الصغيرة التي سقطت على الأرض. تأملها، ولمس خيوطها بأصابعه الصغيرة، ثم حملها معه إلى الغابة. قضى الليل يفكر في كيفية استخدامها.

بدأ في اليوم التالي تجربة الطيران بمساعدة الطائرة الورقية. ربطها بخيوطٍ صغيرة وصعد إلى تلة مرتفعة، ثم فتح جناحيه القصيرين وترك الرياح تدفع الطائرة.
في البداية، كان يسقط كل مرة، وأحيانًا يتعثر أو يصطدم بالأغصان. شعر بالإحباط، لكنه تذكر كلمات النسر العجوز: "الإيمان قبل الأجنحة."

وهكذا استمر تيمي في التدريب يومًا بعد يوم. كان يسقط في الصباح، ويحاول من جديد في المساء. ومع مرور الوقت، بدأ يشعر أن جسده أصبح أقوى، وأن أجنحته القصيرة بدأت تتحرك بثبات أكبر. لم يكن الأمر سهلًا أبدًا، لكنه كان يستمتع بكل محاولة، لأنه كان يشعر أنه يقترب من حلمه أكثر فأكثر.

في إحدى الليالي، بينما كان القمر يضيء الغابة، جلس تيمي يتأمل السماء وقال لنفسه:
"لقد بدأت أشعر بما يعنيه أن تطير، ليس بجسدي فقط، بل بروحي."

مرت أسابيع طويلة، وكان تيمي قد أصبح خبيرًا في التحكم بالطائرة الورقية. بدأ يطير لمسافات قصيرة جدًا بمساعدتها، يلمس الهواء ويشعر بحرارة الشمس على ريشه الصغير. أصبح أكثر ثقة بنفسه، وكان أصدقاؤه من الطيور الأخرى ينظرون إليه بإعجاب، خاصةً أنه لم يعد ذلك الطائر الحزين الذي يجلس وحيدًا على الغصن.

وذات صباح، استيقظ تيمي على صوت الرياح وهي تعصف بقوة في الغابة. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والطبيعة بدت غاضبة، لكن تيمي لم يشعر بالخوف. بالعكس، شعر أن هذا هو اليوم الذي عليه أن يثبت فيه لنفسه أنه قادر على الطيران.

صعد إلى أعلى تلة في الغابة، وقف هناك والريح تضرب ريشه الصغير. نظر إلى السماء وقال بثقة:
"اليوم سأطير وحدي."

فتح جناحيه القصيرين، وأغمض عينيه، وقفز في الهواء.
في اللحظة الأولى، شعر بالخوف، ولكن بعد لحظات قليلة، بدأ الهواء يرفع جسده قليلًا، ثم أكثر فأكثر. لم يكن يصدق عينيه، كان يطير بالفعل!

صرخ بفرحٍ عظيم، وارتفعت صرخته تعانق صدى الجبال:
"أنا أطير! أنا أطير!"

ومن تلك اللحظة تغيّر كل شيء في حياة تيمي. أصبح يطير يوميًا في سماء الغابة، ليس بسرعة الطيور الكبيرة، ولا بارتفاعها، لكنه كان يطير بطريقته الخاصة، بطريقة صنعها بنفسه.

سمع الجميع في الغابة قصته، وأصبح رمزًا للأمل والتحدي. كانت الحيوانات والطيور الصغيرة تأتي لتراه وتسمع قصته. وكان دائمًا يقول لهم:
"لا شيء مستحيل إن كنت تؤمن بنفسك، ربما لا تكون لديك الأجنحة الكاملة، لكن يمكنك أن تصنعها بقلبك."

مرت الشهور، وكبر تيمي أكثر، وأصبح طائرًا مشهورًا ليس فقط بقدرته على الطيران رغم أجنحته القصيرة، بل بحكمته أيضًا. كان يعلم الطيور الصغيرة ألا تخاف من الفشل، وألا تتوقف عن المحاولة مهما كانت الصعوبات.

في يوم من الأيام، جاءه طائر صغير آخر يبكي وقال له:
"يا تيمي، لا أستطيع الغناء مثل الآخرين، كلما حاولت، سخروا مني!"
ابتسم تيمي وربت على جناحه وقال:
"كنتُ مثلك يا صغيري، كانوا يقولون إنني لن أطير أبدًا، لكنني لم أستمع إليهم. لكل طائر هدية خاصة من الخالق، ابحث عن موهبتك، وستجد نفسك تلمع في سماءٍ أخرى."

مرت سنوات، وأصبح تيمي شيخًا كبيرًا. لم يعد يطير كما كان، لكن قصته بقيت تروى من جيلٍ إلى جيل.
كان الأطفال من الطيور يجلسون حوله في كل مساء، ويستمعون إلى مغامراته بانبهار. وكان يختم حديثه دائمًا بنفس الكلمات:
"قد تكون أجنحتك قصيرة، لكن قلبك إن كان قويًا، سيحملك إلى أعلى من أي طائر في السماء."

وفي آخر يومٍ في حياته، جلس تيمي على الغصن الذي وُلد عليه، ينظر إلى السماء بابتسامة هادئة، وكأن قلبه يقول للعالم كله:
"لقد فعلتُها... لقد طرت."

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الغابة تذكره دائمًا. وعندما تمر الرياح بين الأشجار وتسمع الطيور الصغيرة أصواتها، كانت تقول:
"تلك رياح تيمي... ما زال يطير بيننا."

وهكذا، أصبحت قصة تيمي ليست فقط حكاية طائر صغير حاول الطيران، بل درسًا خالدًا في الحياة عن الإصرار، والأمل، والإيمان بالنفس، وأن المستحيل لا وجود له إلا في عقولنا.

  • أحدث

    قصة الطائر تيمي وأجنحته القصيرة

إرسال تعليق

0 تعليقات

تفضلوا بزيارتنا بانتظام للاستمتاع بقراءة القصص الجديدة والمثيرة، ولا تترددوا في مشاركة تعليقاتكم وآرائكم معنا.

إرسال تعليق (0)
3/related/default