كانت "سارة" تجلس في مكتبها الصغير، مكتوفة الأيدي، تنظر إلى شاشة الكمبيوتر بلا جدوى، وكأن العالم من حولها يمر دون أن يلاحظ وجودها. كانت حياتها عالقة في روتين لا نهاية له، وظيفة بسيطة لا تتطلب مهارات كبيرة، ومهام متكررة كل يوم، ما جعلها تشعر بأن أحلامها قد غرقت في بحرٍ عميق من اليأس والإحباط. كانت تتساءل في صمت: “هل هذا هو مستقبلي؟ هل سأظل عالقة هنا إلى الأبد؟”. شعورها بالخذلان كان يزداد كل يوم، ومع كل فشل صغير كانت تتعرض له في حياتها العملية، كان إحباطها يكبر أكثر فأكثر، حتى أصبحت تكاد لا ترى الضوء في نهاية النفق.
كانت أيامها متشابهة، تبدأ بالاستيقاظ باكرًا والذهاب إلى العمل، ثم العودة إلى شقتها الصغيرة، حيث تنتظرها ساعات الفراغ الطويلة التي تقضيها في التفكير بالخيبات المتكررة. لم تكن "سارة" تملك شجاعة مواجهة الواقع، وكانت تعتقد أن حياتها قد قُدِرت على هذا الشكل، وأن الأحلام الكبيرة ليست لها. كانت تسمع أحيانًا عن أشخاص نجحوا في حياتهم بعد صعوبات ومحن، لكنها لم تصدق أن ذلك قد يكون ممكنًا لها، فكانت تخشى المجازفة، وكانت الفكرة الوحيدة التي تشعر بها هي الركون إلى الراحة الآمنة، ولو كانت مجرد وهم.
وفي يومٍ مشمس، بينما كانت "سارة" تمشي في أحد الشوارع الضيقة، تصادفت فجأة مع صديقتها القديمة "نورا". لم ترَها منذ سنوات، لكن ابتسامة "نورا" كانت كافية لتبعث الدفء في قلبها. شعرت بالارتباك قليلًا، لكنها لم تستطع مقاومة الفضول لمعرفة أخبار صديقتها. جلستا في مقهى صغير يطل على شارع هادئ، وبدأت "نورا" تتحدث عن حياتها بكل حماسة. كان في كلماتها شيئًا مختلفًا، شعور بالأمل والطموح، وإيمان بأن كل شخص قادر على تغيير واقعه إذا تحلى بالإرادة.
حكت "نورا" لسارة عن مشروعها الصغير الذي بدأته منذ سنوات، وكيف كانت تواجه العديد من الصعوبات والعقبات في البداية، لكنها لم تستسلم. كانت تفاصيل قصتها ممتعة وملهمة، فكل خطوة كانت محفوفة بالتحديات، لكن الإصرار والعزيمة كانا سلاحها للتغلب على كل مشكلة. أخبرتها عن اللحظات التي كادت أن تنهار فيها، لكنها استمدت القوة من داخلها، وكيف أن كل تجربة صعبة كانت بمثابة درس يقربها من هدفها. كان الحديث مليئًا بالحماس والطاقة الإيجابية، وجعل "سارة" تشعر بشيء لم تشعر به منذ وقت طويل: شعور بالأمل.
بعد تلك الجلسة، شعرت "سارة" بأن شيئًا ما قد تغير في داخلها. كانت هذه الشرارة التي كانت تنتظرها لتخرجها من حالة اليأس الطويلة. بدأت تفكر بجدية في حياتها، وأحست بأن لديها فرصة لتغيير مستقبلها. لكنها أدركت أيضًا أن الطريق لن يكون سهلاً، وأن عليها أن تعمل بجد وأن تواجه مخاوفها لتصل إلى ما ترغب به.
في البداية، لم تكن تعرف من أين تبدأ، فكل شيء بدا معقدًا وصعبًا. لكنها تذكرت نصيحة "نورا": أن الخطوة الأولى تبدأ دائمًا بخطوة صغيرة، وأن التعلم والتطوير الشخصي هما مفتاح النجاح. بدأت بالبحث عن الدورات التدريبية التي قد تساعدها على اكتساب المهارات المطلوبة في المجال الذي ترغب بالعمل فيه. التحقت بعدة ورش عمل ودروس، وبدأت بالعمل على نفسها تدريجيًا، محاولة تحسين قدراتها ومهاراتها العملية.
لكن الحياة لم تكن سهلة، فقد واجهت "سارة" العديد من التحديات في بداية رحلتها. أحيانًا كانت تشعر بأن كل شيء ضدها، وأن كل محاولة لتحقيق حلمها تصطدم بعقبات أكبر من قدرتها على التحمل. كانت هناك أيام تمضي فيها ساعات طويلة من التدريب والتمارين دون أي نتيجة ملموسة، وأحيانًا تتلقى رفضًا من الشركات التي تقدمت إليها، مما كان يضاعف شعورها بالإحباط. لكنها كانت تتذكر دائمًا كلمات "نورا" وتشجع نفسها على المضي قدمًا: “لا شيء مستحيل إذا كنت مؤمنة بنفسك وبقدراتك”.
مع مرور الوقت، بدأت "سارة" تلاحظ تغيرًا تدريجيًا في حياتها. لم تعد ترى العقبات على أنها نهاية الطريق، بل كفرص للتعلم والنمو. تعلمت كيف تدير وقتها بشكل أفضل، وكيف توازن بين العمل والتطوير الذاتي، وكيف تواجه الخوف من الفشل بالإصرار والتصميم. كل خطوة صغيرة كانت تضيف إلى ثقتها بنفسها، وكل نجاح مهما كان بسيطًا كان يدفعها للمزيد من التقدم.
في هذه المرحلة، لم يعد حلم "سارة" مجرد فكرة عابرة، بل أصبح هدفًا واضحًا تسعى لتحقيقه بكل قوتها. لم تعد تشعر بالاستسلام لليأس، بل كانت ترى في كل يوم فرصة جديدة لتقترب أكثر من تحقيق ذاتها. كانت تقرأ الكتب، وتشاهد الفيديوهات التعليمية، وتتواصل مع أشخاص لديهم خبرة أكبر، مستفيدة من كل ما يمكن أن يساعدها على التطور.
ومع مرور الأسابيع، بدأت "سارة" تبني شبكة صغيرة من العلاقات المهنية التي ساعدتها على فهم مجال عملها بشكل أفضل، واكتساب خبرات عملية جديدة. تعلمت أن النجاح ليس مجرد مهارة أو معرفة، بل هو مزيج من الصبر والمثابرة والتخطيط، وأن كل خطوة تُخطى بعناية تقرب الشخص أكثر من حلمه.
وهكذا، في نهاية الجزء الأول من رحلتها، كانت "سارة" قد بدأت رحلة جديدة مليئة بالتحديات والطموح، لكنها لم تعد فتاةً تضيع وسط اليأس والإحباط. بل أصبحت شخصًا مستعدًا لمواجهة الحياة بكل صعوباتها، مؤمنة بأن حلمها ممكن التحقيق إذا ما استمرت بالإصرار والتعلم والعمل الدؤوب.
أذا أعجبتك الروايا أترك تعليقك لتنزيل الجزء الثاني